التغير العربي! ماذا نريد؟

مقال بصفحة -10
بقلم رائف حسين*

التغير العربي! ماذا نريد؟
من الخطأ ان نقيم ما يحصل في مصر وايضاً في تونس على انه صراع لتجسيد الديمقراطية. في كلا البلدين اختار الشعب، بعد ان تخلص من الرجعية والاستبداد، الديمقراطية نمط لتدوال السلطة ونمط لعلاقة فئات الشعب مع بعضها البعض. تكوين الاحزاب الجديدة بالوانها المختلفة والاصطفافات السياسية الداخلية التي تلتها وكذلك الانتخابات التي جرت في البلدين كانت قمة ما وصل اليه العالم العربي، بعد دحر الاستعمار، من ممارسة للديمقراطية. الشعوب العربية ذاقت، بعد الهزات الكبرى في السنتين الماضيتين، الطعم العسلي للديمقراطية و الحرية ولن تتنازل الجماهير بسهولة عن هذا الانجاز العظيم.
قارب الديمقراطية الذي اعتلته بعض الشعوب العربية وتطمح اخرى لاعتلاءه لم يصل بعد الى شاطئ آمن. والخطر لا ياتي من ان هنالك بديل للديمقراطية، بل الخطر الاكبر يأتي من فهم وتعليل خاطئين لبعض الاطراف السياسية للديمقراطية. نعم هنالك قوى تحاول ان تجزئ الديمقراطية وتفصلها على مقاسها بما يصب في مصلحتها الفئوية فقط ضاربة بعرض الحائط مصلحة الشعب والوطن والامة. ما شاهدناه في الاسابيع الماضية، خصوصا في مصر، هو اصرار اكثرية الشعب على انه لا عودة عن الديمقراطية وارادة الشعب وان زمن الاستبداد الفئوي او الشخصي قد ولى دون رجعة. والشعب هو المرجعية الوحيدة وهو صمام الامان الوحيد لتجسيد الديقراطية.
ما نراقبه اليوم من احداث في مصر وتونس هو صورة عن الصراع الداخلي اليومي الذي تعيشه كل المجتمعات العربية. صراع حول نمط الحياة الذي تريده هذه الشعوب، صراع حول بنية المستقبل للشعب والوطن في عالم معولم اصبح بقدرات وامكانيات الاتصال الجبارة متداخل ببعضه كالقرية. نعم انه صراع حضاري وثقافي داخلي يمر به العالم العربي. وما نتابعه في مصر هو بداية المطاف. ودون شك، فان هذا الصراع سوف يعم العالم العربي باكمله وان كان بتفاوت من قطر عربي لاخر لاسباب ومعطيات تتعلق في البنية الاجتماعية و الثقافية لكل دولة من الدول العربية. ويمكننا ان نعمم هذه المقولة على العالم الاسلامي باجمعه. أوجه الشبه بما يحصل في كل من تركيا ومصر لا يمكن التغاضي عنها فمنبعها برأينا واحد، وهو الصراع حول نمط الحياة التي يريد ان يمارسها الشعب، ونتيجتها سوف تكون حتماً متشابهه للغاية.
وعودة بنا لمصر، كونها قلب العالم العربيومؤشر التحرك به. مصر كانت وستبقى العمود الفقري للامة العربية وليس فقط بالتغيير السياسي-الاجتماعي.
الرئيس المخلوع، محمد مرسي، وايضاً البرلمان المصري تم انتخابهم بعملية ديمقراطية نزيهه لا غبار عليها. الا ان العملية التي تم بها ايداع الدستور الجديد والانفراد برسم مستقبل البلد بعد طرد الرجعية، بغياب الاجماع الوطني العريض، وهو امر بديهي لكل مجتمع انقلب على الرجعية والاستبداد، ادى الى تململ وامتعاض واضح بين اغلبية فئات المجتمع المصري. واتت المراسيم الرئاسية لمحمد مرسي والتي اتسمت باسلمة نواحي الحياة، لتبرهن لحركات المجتمع المدني ما كانت تحذر منه من اليوم الاول لوصول الاخوان ومن تبعهم من تيارات سلفية لراس الهرم السلطوي في مصر. فشل الاخوان الذريع بتقديم سياسة اقتصادية تنهض بالبلد وتخفيف من عبء البطالة الداقع وفشل حكومة مرسي من وضع برنامج نهوض واعادة بناء اجتماعي لمصر جديدة عصرية زاد من الاحتقان الذي تفجر بحملة التواقيع الهائلة وبالمظاهرات السلمية ضد نظام الاخوان وخططهم لاسلمة الحياة على مقاسهم. وهذه الخطوة هي من رحم الحياة الديمقراطية والتظاهر ضد نظام الحكم ومحاولة كسب اكثرية شعبية هي من حقوق المعارضة التي تراها كل الانظمة الديمقراطية. انتفضت الجماهير المصرية دفاعاً عن المجتمع المدني وضد استبداد جديد لطرف سياسي واحد وانفراده في تحديد تطور مستقبل البلد.
لا شك ان تصاعد التوتر في الاسبوع الاخير ومحاولة توريط مصر بحرب اهلية دينية صفعة بوجه كل تقدمي. وفي النهاية يبقى السؤال الاكبر اذا كان بامكان القيادات السياسية ومن ضمنهم الاخوان من وقف سيل الدماء المصرية البريئة وقدرة الجميع من الخروج من هذا المأزق قبل فوات الاوان؟
ما هو مطلوب اللان ليس محاولة تخوين طرف من الاطراف وليس الاستنجاد بقوى خارجية من قبل طرف سياسي ما. اذ ان معظم القوى الخارجية التي تحاول جاهده الدخول على الساحة المصرية، ان لم نقل كلها، يهمها مصلحتها الاقتصادية والسياسية فقط ولا يعنيه ما يحصل لمصر وشعبها في المستقبل. الطريق الوحيد لمصر قبل ان يلحقها مصير كمصير سوريا هو ضبط النفس والارتقاء الى المسؤولية الوطنية التي يتطلبها الوضع الراهن. ونحن متاكدين ان لا مخرج لمصر بالعودة الى منع الاحزاب، وزج القيادات بالسجون كما كانت علية الحالة في عصر الاستبداد. المخرج لا يكمن بسيطرت العسكر على مقاليد الحكم، المخرج هو فقط بالاتفاق بين كل الاطراف السياسية على احترام التعددية السياسية والدينية بمصر والحفاظ على عروبة مصر وسيادتها.

* مدير معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الاوسط – هانوفر/ المانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *