اين الشرعية؟

مقالة بصفحة -7

بقلم رائف حسين
اين الشرعية؟
قبل ايام انتهت المهلة الدستورية ” أسبوعين” لرئيس السلطة الوطنية لتكليف رئيس حكومة جديد بعد استقالة رامي الحمد الله من منصبه, وحتى اللان لم نسمع عن اسم يتم تداوله في أزقة رام الله. لن ادخل الان بنقاش حول شرعية الدستور وشرعية من صوت عليه انذاك واودعه دون العودة الى الشعب بكامله .. فهذا موضوع اخر.. الغريب ان اصحاب الشأن في دولة فتح من معارضة وحزب حاكم وهؤلاء في امارة حماس ايضاً لا يحركوا ساكن حتى اللان. يساورني انطباع بان الكل مرتاح للوضع القائم. هذا سكوت الأموات جعلني افكر لماذا؟ ومن له مصلحة اصلا بهذا الوضع القائم؟
بتمعن هادئ نجد ان الجميع ودون استثناء مستفيد من هذا الركود السياسي ولا مصلحة لطرف من الاطراف السياسية الفلسطينية بان يحرك ساكنا لتغير الامر.
حركة فتح واقعة في عدة مصائب سياسية وتتخبط شمالا ويمينا منذ سنوات. تجلى التخبط وتفكك الحركة في المؤتمر الاخير وازداد الوضع سوءا جراء أزمة السلطة واستمرار الانقسام. قاعدة الحركة منقسمة بين الولاء الفئوي الداخلي وبين الخوف من فقدان السلطة ومعه النفوذ والهيمنة. فتح تعي بيقين ان موضوع الشرعية حساس جداً. رئيس السلطة انتهت مدة ولايته منذ زمن طويل واللعب بالدستور ومحاولة تأويله بما يحلوا لهم زاد الامر تعقيداً وقلل من ثقة الشعب بالسلطة وبنواياها. اضافة لهذا فان ولاية المجلس التشريعي قد انتهت أيضاً ولا احد يستطيع ان يدعي بانه يمثل الشعب ديموقراطيا، شعب فلسطين الذي تم تحييده منذ سنوات ولم يسأل اصلا في مفاصل هامة تخص مستقبله ومصيره. ناهيك عن ان قيادة حركة فتح لا تملك اصلا ثقة قاعدتها وثقة جماهير الشعب باكمله. فتح حركة سياسية بنيتها التنظيمية ركيكة جداً وتضم بداخلها البرجوازي الوطني الى الليبرالي الى المتدين حتى اليساري وضبط الامور كان مرتبط بوجود شخصية كرزماتية كشخصية ابو عمار. بإغتياله بدأت النزاعات والاصطفافات داخل الحركة وادت الى فقدانها السلطة في الانتخابات الاخيرة. محمود عباس ومن حوله لا يتمتعوا بالصفات القيادية التي تحتاجها الحركة للملمة أشلائها قبل الخوض بالانتخابات. وفي الوضع الراهن وبظل الفشل الاداري والإفلاس السياسي في جميع المجالات من شان خطوة كهذه ان تجهض على الحركة وتفككها. الانقسام والوضع الراهن من مصلحة حركة فتح ولا ارى ان هنالك بوادر جدية عندهم لتغيير الامر.
آلاخوة في حركة حماس مرتاحون ايضاً للانقسام. إذ ان هذا يضمن لهم التكلم بصفة الحاكم رغم انهم على علم بان ولاية حكومتهم، ان اعتبرناها شرعية قائمة اصلاً، قد انتهت منذ زمن. وهجومهم السابق على محمود عباس ونهاية شرعية رئاسته قد اضمحل لخوفهم من الاشارة بالاصبع على عورتهم . حركة حماس فازت بالانتخابات الاخيرة باستفادتها من أمرين: الاول قانون انتخابي شبه ديمقراطي واقصائي لم تعد الحالة الفلسطينية تتحمل مثله لما به من أساءه فاقعة للتمثيل الديمقراطي والاستجابة لصوت الشعب وهم على قناعة بان أية انتخابات قادمة سوف تقوم على قانون انتخابي عصري وديمقراطي اكثر تكون به حصة الاسد للتمثيل النسبي تماشياً مع إرادة الشعب بما به مصلحة للوطن وبهذا سوف يفقدوا نسبة لا باس بها من تمثيلهم. الامر الاخر الذي ساعد على فوز حركة حماس هو تشهيرها المحق انذاك بسوء الأداء لسلطة فتح ورجالها وما قاموا به من اختلاسات للمال العام ودمار للوطن والقضية. شهرت حماس بالمحسوبية التي كانت تسود في سلطة فتح الا انها لم تستطع ان تثبت عكس ذلك في إمارتها بغزة وسارت على نفس المنوال بالتعيينات والمشاركة بالسلطة وحتي في إدارة المقاومة. لم تستغل حركة حماس موقعها لإقناع الشعب بان إدارتها للسلطة والشأن العام يختلف جوهريا عن تلك في سلطة فتح وفقدت بهذا عدد من مناصريها وتأييدها بالشارع الفلسطيني. وتخبطها السياسي بعد الثورات العربية واصطفافاتها العربية والاقليمية بينت ان حركة حماس لا تضرب بسيف فلسطين بل بسيف اخر. وأظهرت هذه المغامرة الصدع في صفوف الحركة الذي لم يتم تداركه في المؤتمر الاخير. محاولات الحركة فرض نمط حياة بمقاسهم على المجتمع في القطاع والتكتيك المضر في ملف المصالحة والمماطلة الهدامة نفر العديد من أبناء الشعب عنهم وتراجع تأييد الشارع لهم واصبحوا يتحملوا مسؤولية الوضع الراهن بنفس المستوى الذي تتحمله حركة فتح. وكلا الحركتين أساؤوا للقضية ولمصلحة الوطن بتعنتهم وباعاقتهم للمصالحة وبتمسكهم بالعرش المهدوم.
ضمن الوضع القائم سوف تحصد الحركة هزيمة في أية انتخابات قادمة. محاولات الحركة الاستفادة من المماطلة بملف المصالحة وتحميل الطرف الاخر المسؤولية سوف يعود عليها بسوء اكبر وخسارة أجم.
المعارضة، رغم ان هذا التعبير غير دقيق، بألوانها من اشتراكي الى قومي الى ليبرالي تتخبط أيضاً رغم انهم، في أطراف المعارضة وبتفاوت، يملكون البرنامج السياسي الصريح والواضح للخروج بالقضية من عنق الزجاجة الا انهم لا يملكون الخطاب السياسي السليم للوصول الى الجماهير. فما زالوا بنظر الأكثرية نخبويين. تفككهم وعدم قدرتهم على الالتفاف لبناء جبهة او طرف ثالث يواجه كل من حركة حماس وفتح اللتين أثبتا فشلهم افقد الجماهير الثقة بقدرة هؤلاء الأطراف على قيادة الشعب للخروج من المأزق الوطني الذي تمر القضية به منذ اكثر من عشرين عام. المعارضة بألوانها وقعت في مصيدة الدولة والسلطة كحركاتا حماس وفتح أيضاً، الفارق ان الحركتين يملكن إمكانيات مادية وارتباطات دولية وإقليمية يستطعن من خلالها التمويه على المأزق الإيديولوجيي التي تعيشة كل الحركات السياسية الفلسطينية. فالجميع يتأرجح بين كون الشعب الفلسطيني في مرحلة بناء الدولة وبين انه ما زال فعليا يقبع تحت الاحتلال، اي انا متواجد في مرحلة التحرير الوطني. كلا المرحلتين يتطلبن برنامج سياسي وتكتيك عملي يومي للشعب يختلف عن الاخر. وبما ان المعارضة بألوانها قد تكيفت في دولة فتح مع سلطتهم ولعبتهم واصبحت جزء منها وتروضت في امارة حماس وتمشت مع ما يفرضه الواقع الحمساوي هناك فقدت بهذا ثقة الشعب بطرحها السياسي. وأكثرية الشعب تفضل في مثل هذا الوضع التصويت للقوى الكبرى التي بإمكانه ان تحكم وتحجب الصوت عن القوى الصغيرة المشتتة خصوصا ان كانت هذه بالفعل لا تأتي بجديد وامكانيتها بتحقيق برنامجها ضمن الوضع السائد سيئة جداً. حتى لو جرت انتخابات في فلسطين فمعظم قوى المعارضة التي يتأرجح تأييدها حول نسبة الحسم تخاف اصلا عدم تجاوز هذه النسبة وتعيش في صراع حول البقاء السياسي او الاندثار.
نعم السكوت علامة الرضى- الكل في فلسطين المحتلة وخارجها يسكت على دوس الشرعية وإرادة الشعب بالأقدام خوفا من مستقبل غامض ومن شعب محتار من أمره ومزاجه متقلب .

* مدير معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الاوسط – هانوفر/ المانيا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *